تعبر أزمة الكساد الكبير التي مرت بها الولايات المتحدة عام 1929 بشكل كبير عن أزمة البطالة وأسبابها، ليس في تلك الفترة وحسب، بل في العديد من مراحل الاقتصاد حول العالم حيث ندرة الموارد تؤدي إلى غلاء أسعارها؛ ومن ثم غلاء الصناعات القائمة عليها؛ وهو ما يؤدي بدوره إلى عزوف أصحاب رأس المال عن تلك الصناعات؛ مما يخلق شريحة كبيرة من العاطلين عن العمل. وقد أصبحت البطالة منذ ما يزيد عن ربع قرن من الزمان مشكلة هيكلية؛ حيث هناك ما يقارب مليار عاطل عن العمل موزعين في مختلف دول العالم.
وقف طفل صغير أمام والدته وهو يرتعش من قسوة البرد في أحد أيام شتاء عام 1929، وسألها ببراءة: لماذا لا تدفئين المنزل يا أمي؟ قالت الأم لأنه لا يوجد لدينا فحم بالمنزل يا ولدي فسألها الطفل ولماذا لا يوجد فحم بالمنزل؟ أجابت الأم لأن والدك متعطل عن العمل وعاد الابن يسألها ولماذا يتعطل أبي عن العمل؟ قالت الأم لأنه لا يوجد فحم كثير بالأسواق يا ولدي.
تلك القصة التي تناقلها الجميع أثناء أزمة الكساد الكبير التي مرت بها الولايات المتحدة تعبر بشكل كبير عن أزمة البطالة وأسبابها ليس في تلك الفترة وحسب بل في العديد من مراحل الاقتصاد حول العالم؛ حيث ندرة الموارد تؤدي إلى غلاء أسعارها؛ ومن ثم غلاء الصناعات القائمة عليها وهو ما يؤدي بدوره إلى عزوف أصحاب رأس المال عن تلك الصناعات مما يخلق شريحة كبيرة من العاطلين عن العمل وقد أصبحت البطالة منذ ما يزيد عن ربع قرن من الزمان مشكلة هيكلية حيث هناك ما يقارب مليار عاطل عن العمل موزعين في مختلف دول العالم.
ففي المجتمعات الصناعية المتقدمة وبالرغم من تحقق الانتعاش والنمو الاقتصادي، تتفاقم البطالة سنة بعد أخرى. وفي البلاد التي كانت اشتراكية والتي لم تعرف البطالة أبدًا، تتزايد بها جيوش العاطلين فترة بعد أخرى في غمار التحول إلى النظام الرأسمالي. أما في البلاد النامية، تتفاقم البطالة بشكل عام مع فشل جهود التنمية وتفاقم ديونها الخارجية وتطبيقها لبرامج صارمة للانضباط المالي. الغريب أنه بدلاً من أن يتجه الفكر الاقتصادي نحو فهم تلك الأزمة ومواجهتها للتوصل إلى سبل الخروج منها، نجد أن هناك تيار فكري ينتشر بقوة الآن يعتقد أن البطالة هي مشكلة تخص ضحاياها الذين فشلوا في التكيف مع سوق العمل وظروف المنافسة والعولمة.
للإحاطة بحجم وأبعاد مشكلة البطالة؛ يتطلب الأمر حساب معدل البطالة، أي حساب نسبة الأفراد العاطلين إلى قوة العمل المتاحة. وعلى الرغم مما تبدو عليه بساطة هذا المعدل، فإنه عندما يتم حسابه نجده يواجه صعوبات كثيرة يكون أولها الصعوبات المفاهيمية حيث نجد أنه لابد من وضع تعريف واضح ومحدد للبطالة يمكننا من اعتبار هذا الشخص أو ذاك عاطلاً حقًا ويجب إضافته لحساباتنا أم لا؛ فليس كل من لا يعمل يعتبر عاطل؛ فهناك من لا يقدرون على العمل مثل: الأطفال والمرضى والعجزة وكبار السن، والذين أحيلوا إلى التقاعد ويحصلون الآن على معاشات؛ لذا فهؤلاء لا يمكن اعتبارهم عاطلين؛ لأن الشرط الأول والأساسي الذي يمكن على أساسه اعتبار المرء عاطلاً هو أن يكون له القدرة على العمل.
وعلى الرغم من ذلك، هناك من هم قادرون على العمل ولا يعملون، لكننا في الوقت نفسه لا يمكننا إدراجهم في خانة العاطلين مثل الطلبة الذين يدرسون في المدارس الثانوية والكليات والمعاهد. فعلى الرغم من تجاوزهم السن القانوني للعمل، وعلى الرغم من توافر قدرتهم على العمل إلا أنه لا يتم إدراجهم في خانة العاطلين، كذلك بعض الأفراد القادرين على العمل، لكنهم في درجة من الثراء تجعلهم في غنى عن العمل؛ فهؤلاء أيضًا لا يعتبرون عاطلين وقد قامت منظمة العمل الدولية ILO بوضع تعريف للعاطل على أنه "كل من هو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى".
ليس تحديد المفاهيم هو ما يجعل عملية الإحصاء صعبة وغير دقيقة؛ فهناك أيضًا الاختلاف بين البلدان وبعضها البعض، واختلافات اقتصادها من حيث التقدم والتخلف وأيضًا من حيث القدرة على إجراء تلك الإحصاءات عن معدلات البطالة بشكل دوري؛ ففي بعض الدول التي تقل فيها الإمكانات المادية والإحصائية كما هو الحال في البلاد النامية يكتفي بتقدير وإعلان هذا المعدل كل سنة وأحيانًا حسب الظروف أما في البلدان الصناعية المتقدمة كالولايات المتحدة فإن هذا المعدل يعلن شهريًا حيث يتم حساب معدل البطالة هناك من خلال المسوحات الإحصائية التي تقوم بها مكاتب العمل والتي تكتفي بسؤال عينة من العائلات وتحليلها لحساب معدل البطالة منها.
فعلى سبيل المثال يقوم مكتب إحصاءات في الولايات المتحدة بسؤال عينة من العائلات قدرها 65 ألف عائلة تتوزع في مختلف الولايات والمناطق حيث توجه الأسئلة بشكل مباشر لكل فرد من أفراد العائلة يزيد عمره على 16 سنة باستثناء هؤلاء الأفراد الغير موجودين بسبب احتجازهم في بعض المؤسسات مثل المستشفيات والمصحات العقلية والسجون ويتم تصنيفه في إحدى الفئات إما يعمل أو لا يعمل وقد وجه الكثير من النقد لتلك الطريقة في الحساب حيث يعتقد البعض أنها تغالي في تقدير عدد العاطلين، ففي البلدان الصناعية المتقدمة والتي يوجد بها نظام للضمان الاجتماعي في حالة البطالة نجد أن كثيرًا من الأفراد الذين تتضمنهم إحصاءات البطالة هم أشخاص غير جادين في البحث عن العمل بل وقد يرفضون فرص العمل المتاحة أمامهم لأنها تمنحهم أجرًا أقل مما يحصلون عليه من معونة البطالة.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان